عامٌ بقربكِ يومٌ في قواميسي
يومٌ بدونكِ عامٌ من كوابيسي
نسيتُ أنَّكِ نهرٌ لا ضفافَ لهُ
سوى ضفافِ سطورٍ في كراريسي
وأنَّ دلْوَ صبانا كان من ظمأٍ
يصبُّ فيكِ، ويُسقى، من أحاسيسي
وأنَّ دولةَ شِعريْ هزَّها حُزُني
ومن وفائكِ هزَّت عرشَ باريسِ
فلو عبرْتِ خيالاً ، فوق خارِطتي
لصار طيفُكِ جزءاً من تضاريسي
فأنتِ أول طيفٍ لاح من غسقي
وأنتِ آخرُ ضَوْءٍ في فوانيسي
الجاثمون على رمالِ البؤس في زمنِ المذلَّه
من فوقهم هطل الأسى مطراً
فزاد الطين بِلَّه
من تحتِهم صار الردى وحلاً
فزاد الداءَ عِلَّه
إن قلتُ ما أحلامُكُم
هل تحلمون بمنزلٍ
أم غاية الأحلامِ فِلَّه ؟
قالوا بصوتٍ خافتٍ ،
يُبكي القلوبَ المُضمحِلَّه :
الحلمُ تنفيسٌ لكم
والبؤسُ للبؤساءِ مِلَّه
إن كنتَ تملكُ حيلةً
يا ذاكَ ..
هاتِ لنا مِظلَّه .
لهمُ الموائدُ والقطيفْ
ولكَ القليلُ من الرغيف
لهمُ الربيعُ وليس لك
غير الشتاءِ أو الخريف
زمنُ العدالةِ قد مضى
وأتى زمانُ (اليونسيف) *
الطفلُ يحظى بالأمل
والكهلُ يحظى بالرصيف
هُناكَ على سِكَّةِ الانتظار
مرَّ القطار
وأنتَ كما أنت
تختارُ ركناً
ومن دونِ وعيٍ
تُزيحُ الستار
فلا شيءَ تلمحُ غيرَ الرحيلِ
وجثمانِ ذكرى
وأطلالِ دار
هُناكَ ترى آخرَ الأمنيات
تحنُّ إلى ومضةٍ من صباك
إلى دمعةٍ من عيونِ الليالي
إلى قُبلةٍ من شفاهِ النهار
إلى كل شيءٍ
عدا الاحتضار
فيخذلها كل شيءٍ جميلٍ
عدا اليأس
والحزنِ
والاندثار
فتبقى وحيداً
أنيقاً ولكن
يُشاطِرُكَ الحزنُ والانكسار
تحدِّقُ في الأمسِ
لا الأمس عادَ
ولا اليوم سار
ولا الغدُ جاءَ ببعضِ البريقِ
لعلَّ البريق يُناغيكَ يوماً
بِما كان حُلماً
وأضحى غُبار
لعلَّ انتظاركَ للأمسِ يأتي
بميلادِ يومٍ أخيرٍ يواسي
زمانَك إن قيلَ
فاتَ القطار ..
وفي زمنِ انقضاضِ القهر
طفلٌ يقهرُ القهرا
ضئيلٌ مثل حبِّ التمر
يفلقُ حالهُ الصخرا
نحيلٌ مثل ضرسِ العقل
هشٌّ لا يكادُ يُرى
ورغمَ البؤسِ ما وجدَ الـ
أسى في قلبهِ مجرى
فليس لبؤسهِ وطنٌ
وليس بقلبـــهِ ذكرى
سِوى أُنثى بلا جسدٍ
ولا عينٍ ولا مسرى
سِوى أمَّــــاهُ لو جاعت
لصارَ لأجلها تمرا
فغايةُ همِّهِ ألاّ
يــزيدَ عنــاؤهــا شبرا
كبيرٌ أنتَ يا طفلاً
ولدتَّ لتقهرَ القهرا
كبيرٌ أنتَ في زمنٍ
تضاءلَ
فاستوى قبرا ..
كانت حياتُك مُفعَمه
بالنصر
بالمجدِ المُرصَّعِ بالوغى
بالأوسِمه .
صارت حياتُك مُظلِمَه .
ذكرى
ولكن مؤلمَه
كل الرفاق تساقطوا
ما بين قتلٍ غادرٍ
أو في سجونِ مُعتِمه
وبقيتَ وحدكَ هارباً
من كل من حاربتهم
من كل شرذمةٍ تعيشُ على دمار الأنظِمه
كانت بلادُكَ قبل أن
تغدو لمن حاربتهم
وطناً ..
وأنت الشرذمة
قـال الرئيـسُ مُـهدِّدَاً كل الـذين تمـرَّدوا :
صنعاءُ خطٌّ أحمرٌ، والقصر خطٌّ أسودُ
والأرضُ تأبى أن يكون لكم عليها مقعدُ
ما إن أتمَّ صراخهُ حتى أتاهُ السيَّدُ
معهُ الذين تقندلوا، وتزنبلوا، وتَبلَّدُوا
قال الرئيس: هلا بكم، يا من لكم أتودَّدُ
القصر خطٌّ أبيضٌ، فكلوا طعامي واقعدوا
سأنامُ فوقَ أريكتي، فخذوا سريري وارقدوا
ثق في القدر ..
ما دام وجهُك شاحباً والعين هاجرها البصر ..
ما دامَ قلبُكَ متعباً والدربُ أظلمَ واحتضر ..
إنَّ المتاعبَ جمَّةٌ ،
لا حلَّ إلا في القدر ..
ثق فيهِ حتى لا ترى في العمرِ شراً أو خطر ..
ثق فيهِ حتى تصبح الأهوالَ في عينيك ذر ..
في أسوأ الأحوالِ سوف تموت ..
والدنيا سفر ..
إما إلى صنعاء ،
أو بيروت ،
أو تحت الحفر ..
تجعَّدَ وجهُكَ القاسي ..
وقلبكَ لم يزل كالصخر ..
عصياً عن فؤوس الذل والإذعانِ والياسِ .
نقياً يكرهُ الخذلان رغم خيانة الناسِ .
شجاعاً تبغضُ الجبناء .
وتأبى أن يهزَّ الخوف زورقَ قلبكَ الراسي .
تجعَّدَ وجهكَ الصخريُّ يا رجلاً يهاب الله .
ودون الله لا يعنيكَ طاغيةٌ ،
يُهابُ لشدةِ الباسِ ..
وإن أغراكَ بالماسِ ..
ففي زمنِ انحناءِ المجد للخمَّارِ والكاسِ .
ستبقى أنت دون الناسِ لا تخشى ،
صليل السيفِ والفاسِ ..
فإما أن تنال النصر ،
أو أن تلتقي بالموتِ غير مطأطئ الراسِ ..
في رصيفِ الكون تغفو ..
لا يهمك من سيغضب
من سيقسو ،
أو سيعفو ..
لا يهمك من سيغرق !!
من سينجو ،
أو سيطفو ..
لا يهمك أمرُ ليلى
هل ستهفو أم ستجفو !!
لا يهمكَ أي شيءٍ
كل مافي الكونِ سُخْفُ !!
فالحياةُ بِلا شعورٍ
رغم أنف الناس تصفو ..
ولدتُ ولم أكن أدري بأني مثلكم عربي
ومثل بقيةِ الأعرابِ، أعشقُ قلة الأدبِ
مقامي تحت أقدامي، وأفخر أن لي نسبي
فإن سخِر العلوج رويتُ بعضاً من فعال أبي
فإن قالوا كفى كذِباً، فأنت كحاملِ الحطبِ
أجبتُ مطأطئاً رأسي : أنا يا سادةَ العربِ
أصولي من بني هاشم ..
ونسلي من أبي لهبِ ..
قل يا ابن هاشمِ هل أنا قنديلُ ؟
أم أنني في دينكم زنبيلُ ؟!
حدِّد مكانيَ في الوجاهة كى أرى
إن كان سوف ينالني التبجيلُ
فأنا كـ أنت، لدي مثلك ركبةٌ
من حقها التقبيل والتدليلُ
أم أن ركبتكَ التي نظَّفتها
بشفاههم، قد عزها الإنجيلُ ؟!
تباً لها من ركبةٍ محظوظةٍ
من لم يُقِّبل ركبتيكَ عميلُ
فلتجعلوني في الوجاهةِ سيداً
ولكم عليَّ الشاي والكوكتيلُ
أو فاقطعوا المصروفَ إني رافضٌ
لعقيدةٍ مالي بها تنزيلُ
أمَّا وقد أزِفَ النهار .
لا بد أن تخشى الطريقَ وتختفي مثل المحار .
لا بد أن تخشى المغيبَ فليس للدنيا ستار .
لا أمَّ لا أبَ لا ديار ..
لا شيء حولكَ غير قهرٍ جاثمٍ ..
ودمٍ وأشلاءٍ ونار ..
خذها بدونِ ترددٍ ..
أو قف على قدمِ الخضوع ..
مكبلاً ..
مثل الجدار ...
أكمل طريقكَ فالمدى قهرٌ وأحزانٌ ودمعه ..
أكمل طريقكَ ..
ربما تلقى بحضن الشمسِ رُقعه ..
فإذا وصلتَ فلا تعد للخلفِ ما للعمرِ رجعه ..
إن لم تكن طفلاً ..
فكن رجلاً ..
وكن إن شئتَ شمعه ..
إن لم تكن قمراً ..
فكن كالطيفِ ..
أو كن نصفَ لمعه ..
ما دام حظكَ عاثراً ستعيشُ للمأساةِ سِلعه ..
هذا مصيرُكَ فاعتذر لليأسِ ..
إنَّ اليأسَ خُدعه ..
ستنسى الأرض أقدامك ..
فلا تأسف إذا سلبت رياحُ العمرِ أعوامك ..
ولا تأبه إذا قطعت نيوبُ الجورِ إبهامك ..
فصبرُك قِصةٌ باتت تقصُّ عليكَ أوهامك ..
وحزنُكَ رقصةٌ أخرى على إيقاعِ آلامك ..
سترحلُ دونما صوتٍ يُشيِّعُ موت جثمانك ..
وهل للصوتِ قافلةٌ تُعيدُ إليك أيامَك ؟!
ستمضي شاكراً للموت ..
عجوزاً تخطفُ الأوجاعُ من عينيكَ أحلامك ..
حزيناً بائساً تشكو ..
إلى الرحمنِ أرحامَك ..
سيبقى ظلمهم ألما، يُلملمُ فيك أسقامك ..
ومهما سرتَ مهما طِرت ..
سينسى الناسُ ما قدَّمت ..
وتنسى الأرضُ أقدامك ..
نمْ في قصورِ العز ..
أو نم فوق قارعةِ الطريق ..
نمْ حيثِ شئتَ ..
فأنتَ كالأطلالِ ..
كالأملِ الغريق ..
لا فرقَ بينكَ والذي ملَكَ الجواهرَ والعقيق
بل أنَّ نومك راحةٌ ..
ومنامُهُ همٌّ وضيق ..
وغدا ًستأفلُ كالنجوم ..
وتختفي مثل البريق ..
فيُقالُ نمتَ هُنا ..
وغيرُكَ نام في قبرٍ سحيق ..
قال الوصيُّ على اليمن .
النصرُ ليس لهُ ثمن .
مهما بذلتَ من الدِّماءِ فلن تنالَ سِوى الحزَن ..
فإذا أردتَّ لكَ النجاةَ مِن المصائبِ والفِتن ..
لا بُدَّ من بيعِ الكرامةِ والمبادئِ والسُنَن ..
لا بدَّ من فتحِ الطريقِ أمام تُجَّارِ العَفن ..
واسمح لكل "الناشتاتِ" بأن يُنجِّسنَ البدن ..
هنَّ الخلاصُ إذا أردتَ لكَ الخلاصَ مِن المِحَن ..
لا بُدَّ من نشرِ الفجور ..
إنَّ الفجورَ هوَ الثمن ..
لا بُدَّ مِن .....
عفواً أخي !!
لِمَ لا تقولُ صراحةً ..
لا بُدَّ من بيعِ الوطَن ؟!